الجمعة، 17 يناير 2014

تجربة فقد الشعر

الحلقة الخامسة و العشرون من رحلتي مع سرطان الثدي

-"ماما هل انت حزينة؟"

-"لا لماذا؟"

-"هل ستبكين الآن؟"

-"لا... لماذا؟!!"

-"لأن شعرك يسقط ثانية.."

ابتسمت دامعة.. متعجبة من ذاكرة ابني الذي لم يبلغ الأربعة سنوات في موضوع مرت عليه أشهر عدة... حين بدأت الكيماوي لأول مرة..

أبلغني الطبيب أني سأفقد شعري بعد أول جرعة..تألمت وحزنت.. ولكن بقي هناك أمل أن أكون محظوظة.. وأشذ عن القاعدة.. وذهبت لأول جلسة وسارت الأمور على ما يرام.. ومر على الجلسة 16 يوما كان شعري فيها في أحسن أحواله..حتى جاء اليوم السابع عشر.. لازلت أذكر ذلك تماما.. كنت أستحم.. ومررت بيدي على شعري ..فبدأ يتساقط بغزارة.. أصبت بم يشبه نوبة الهلع ورحت اتنفس بسرعة وأجهش بالبكاء..إذ وقع ما كنت أخشاه..

لم تكن الكمية التي سقطت حينها كبيرة ولكنها كانت إشارة لبداية النهاية لشعري الجميل..

كان إحساسا أليما بالعجز .. العجز عن إنقاذ شعري الذي طالما أحببته كما هو.. وندمت حينها اني لم أقم بحلاقته قبل أن يسقط كما قرأت في كثير من المنتديات لمريضات السرطان ولسان حالهن يقول "بيدي لا بيد عمرو"

بعدها وعلى مر أسبوع كانت كميات كبيرة من شعري تساقط هنا وهناك.. في اليوم الأول كان الحزن هو سيد الموقف..

 حينها كان ابني يراني باكية ويسألني.." لمَ انت حزينة؟"..

لم أحاول أن أخفي عنه ذلك..لأني شعرت أنه في كل ما أمر به..هذا امر يستطيع   استيعابة.. ولأني أردته أن يقدر مشاعر الآخرين وأن يعلم أن من حق كل انسان أن يحزن حتى وان كانت ماما القوية..

-          "أنا حزينة لأني أفقد شعري.. لكن لو أعطيتني حضنا كبيرا سأكون أفضل.."

في الأيام التي تليها تلاشى الحزن تماما.. وحل محله شعور عجيب بالامبالاة.. ماذا يعني بعض الشعر.. لا شيء.. سخافة.. وعندما صار رأسي نصف فارغ.. حل الشعور بالغيظ.. الغيظ من هذا الشعر الباقي الذي لا يريد أن يسقط مرة واحدة ليريحني..

كنت طوال تلك الفترة أرتدي البندانة طوال اليوم ومع كل وضوء أغلق الباب على نفسي حوالي النصف ساعة وأنا أحاول أن "أقطف" ما بقي من شعري لينتهي الاحساس بالخسارة.. العجز.. والحسرة..

 لم أسمح لأحد أن يرى رأسي..لكني كنت أري الشعر المتساقط لزوجي (ليتأهب للمنظر الجديد) وأقول ساخرة: " انظر لمحصول اليوم"..

ومر الأسبوع.. ولم يبق في رأسي شعر كثير.. وجاء زوجي من العمل يقول لي.."اشتقت لرؤية رأسك.. لماذا لا تنزعين هذه البندانة؟".. رفضت تماما.. لان الشعر بالنسبة لي لم يكن مجرد جمال للمرأة.. كان شعري هو كبريائي وكرامتي.. وشعرت أني بدونه سأبدو ضعيفة مريضة..وهو مالم أكن أتحمله..

عندها دخل زوجي للحمام وسمعت صوت ماكينة الحلاقة..

-"ماذا تفعل بالداخل"

-"مفاجأة"..

وخرج بعد دقائق برأس حليق..

-"لم فعلت ذلك.. لقد كنت تحب شعرك!!"

وخلال ثوان دخلت للحمام وأغلقت الباب ومررت بماكينة الحلاقة على ما بقي من شعري.. ثم استجمعت كبريائي.. وخرجت..

..وكانت على غير المتوقع دقائق من الضحك المتبادل..

-"أوبس.. ما أصغر رأسكِ!"

- "مع ذلك أنا في منتهى الذكاء.. أرأيت كيف يكون استغلال المساحات!! أما أنت فما أكبر رأسكَ!"

-"هو مليئ بكرة القدم والبلايستيشن واليوتيوب.. نحتاج لمساحات شاسعة!"

-ا"نظر لهذا النتوء في مؤخرة رأسك.. هذا مكان ال GPS.. لهذا أنت ممتاز في الخرائط والوصول للأماكن.."

وأخذنا نتضاحك وابننا يضحك خولنا وهو يقول..

-"ماما.. بابا.. ماذا فعلتما!!.."

وسألناه معا هل تريد أن نحلق رأسك كذلك؟.. فأجاب :"لا شكرا.."

ومن يومها لم أحتج لاخفاء رأسي أمام أسرتي .. ولم احتج لارتداء الشعر المستعار أو البندانة واستطعت التمسك بكبريائي وقوتي وإن كان رأسي حليقا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق