الجمعة، 21 فبراير 2014

هل ندفن مرضانا أحياء؟


في الموقع الالكتروني للمستشفى التي أتعالج بها.. الخبر الأول

جائزة الشجاعة السنوية للمريضة آلي      .. تساءلت قبل فتح الخبر.. ما المميز لدى هذه المريضة .. ولسان حالي يقول.. ألست الأشجع.. من مثلي حارب السرطان وهو يحمل جنينا بين احشائه ويرعى طفلا بين يديه...ثم فتحت الخبر..

آلي تبلغ من العمر 19 عاما ولكن رحلتها مع السرطان بدأت في السادسة حيث أصيبت بسرطان بغيض في الأعصاب اسمه neuroblastoma..احتاجت بسببه للجراحة والكيماوي والاشعاع وعدد من محاولات زرع النخاع لتشفى منه بأعجوبة.. ولكن في عمر الحادية عشر عاودها السرطان ثانية فاحتاجت للكيماوي لمدة 3 سنوات حتى تخلصت منه ..ولكنه أبى إلا أن يعود وهي في السادسة عشر.. لتغالبه وتدافعه مرة اخرى.. حتى أصيبت في العام الماضي بسرطان جديد.. سرطان العظام الذي أصاب رجلها اليسرى فعادت للعلاج الأليم مرة أخرى.. كم تحملت هذه المسكينة طوال تلك السنين ومنذ نعومة أظافرها.. وأنا التي ظننت أني محاربة.. وأنني من أشجع خلق الله..

لكن ما أثارني في قصتها ليس صبرها فحسب.. فآلي الآن وهي في التاسعة عشر تدرس في السنة الثانية من الكلية في تخصص تؤمن به وهو تعليم الطفولة المبكرة.. ولي هنا وقفة وأي وقفة..

لو كانت آلي في بلدنا .. هل كان أهلها سيرسلونها للمدرسة مع كل ما هي فيه؟..ألم يكونوا على الأقل سيقولون "انتظري حتى تتخلصي من السرطان تماما ثم تذهبين للدراسة.. ".. ألم تكن ستسمع عبارات مثل " أنت مريضة.. " "لن تستطيعي".. "من سيعتني بك".. "يكفيك الاستلقاء على الكنبة ومشاهدة التلفاز"...

لو كانت آلي عندنا لما استطاعت أن  تخرج من البيت إلا بشق الأنفس.. ولما استطاعت حتى الذهاب للملاهي للعب مع الأطفال .. فالأهل يخافون عليها.. يخجلون من مرضها.. ويفضلون تركها "محمية مصانة" على الأريكة وأمام التلفاز..

كم نسرق الحياة من مرضانا... أتذكر الآن عشرات مرضى الأنيميا المنجلية والثلاسيميا الذين تعج بهم مستشفياتنا.. بنات وأولاد في عمر الزهور.. مرضهم أهون بكثير من السرطان الذي تعاني منه "آلي". .لكنهم دوما يحرمون التعليم.. يحرمون اللعب ويحرمون الحياة..

 

ولا يتوقف الأمر على الصغار.. حتى الكبار.. الآباء والأمهات.. الاجداد والجدات.. ما أن يصابوا بمرض عضال حتى تسحب منهم كل الصلاحيات وكل المهام ويبقى دورهم الوحيد هو الجلوس في البيت لاستقبال التعازي.

 

أعلم ان النوايا دائما حسنة.. لكن النوايا الحسنة لا تجعل من دفن المرضى أحياء عملا فاضلا...