الجمعة، 12 ديسمبر 2014

لا تصورها...عشها!


في بيت الله الحرام.. أسير متعجبة...في صحن الكعبة... حيث الطائفون في أقدس مكان في الأرض... يخرج البعض جوالاتهم.. هذا يصور الساعة الشاهقة العملاقة.. وهذا يصور الفنادق المطلة على الكعبة من علٍ.. وهؤلاء قد وقفوا عن السور في الطابق الأول ويصورون بكل حماس العمال والبلدوزرات وهي تعمل في  مشروع التوسعة... يا جماعة.. هذا بيت الله الحرام.. هذا البيت الذي وضعه لنفسه في الأرض منذ خلق الأرض و ما من نبي إلا حج إليه.. فوقكم الآن يطوف سبعون ألف ملك... هذا بيت الله وأنتم ضيوفه.. فهل من أدب الضيف أن يتشاغل بما في البيت عن صاحب البيت.. فما بالكم ان كان الضيف فقيرا ضعيفا محتاجا قد جاء يطلب حاجاته من الملك الغني القادر.. وبينما أنا أفكر في حالة "التوهان العام" التي نعيش فيها    أرى معتمرا يقف ويجعل الكعبة من خلفه وصاحبه يصوره وهو "يمثل" الدعاء بخشوع...

ألهذه الدرجة التهينا ب"تسجيل الأحداث" بدلا من "عيش اللحظة",,,لماذا صرنا نحرص على تسجيل كل شيء نقوم به بالصور.. ألكي ننشره غدا (أو بعد دقائق) على مواقع التواصل ونحصد عليه الاعجاب.. لماذا لم نعد نعيش الحياة لأنفسنا بدلا من ان نعيشها لأجل عيون الناس التي نحسب حسابها في كل لحظه...وان كان هذا حالنا من التوهان والتشتت  في حرم الله وأكثر الأماكن قدسية ومهابة على وجه الأرض فلا عجب أن نكون  في الحياة في ضياع تام... لا عجب أن ينسى كل منا لماذا هو هنا.. لماذا يعيش .. ولماذا يفعل ما يفعل  (سواء كان عملا أم "فسحة وتمشية"  أم لقاء مع أصدقاء)  لا عجب أن يفقد كل شيء معناه ولذته وطعمه في عالم تملأه الصور والكل يتنافس لإضافة المزيد من الصور الخاوية والابتسامات الكاذبة ليمثل حياة ليست بحياته ليستجدي اعجاب الآخرين أو حتى انتباههم..
 

الخميس، 27 نوفمبر 2014

غرفة الانتظار والفلكلور الشعبي..


في غرفة الانتظار بالمستشفى الذي اتعالج به الان في السعودية،،مشهد من الفلكلور الشعبي الذي غبت عنه سنين بحكم الغربة... اجلس لتوي على كرسي شاغر... سيده على بعد تنظر الي عيني مباشره وتسأل

-     انت وين جاك الورم؟؟؟

-     أجبتها بشيء من الاستغراب لدخولها علي بهذه ألقوه دون حتى ان تعرف اسمي... ثم راحت تسال عن تفاصيل علاجي.. ودخلت معها في الاستجواب مريضات أخريات وانا أتمنى ان اختفي بطريقة ما.. ثم بدأت كل منهن في قص حكايتها وتشاغلت أنا بسبحتي تجنبا لأي استجواب اخر... بعد قليل جاءت سيدة اخرى وسألتني،، انت تأخذين دين عسل ؟ فأجبتها نعم..

-     كيف؟

-     ؟؟؟؟؟بالملعقة!!!

-     بالملعقة،، العسل حالي صح؟

-     ؟لم افهم السؤال  ... هل هو سؤال تضليلي...هل تقصد أني سأصاب بالسكر؟؟بعدها بدأت السيدات بإعطاء بعض وخصوصا أنا ( ربما باعتباري الأصغر في الجلسة) وصفات لعلاج السرطان.. سمعت كل انواع الوصفات والاستشهادات والبحوث التي خرجت غالبا من جامعة الواتس اب.

بعدها حدث شيء مثير... سيدة ترافق ابنتها المريضة بسرطان امتد لعين الطفلة فاضطروا لاستئصالها.. بدأت الام تحكي للسيدة بجوارها عن مرض ابنتها، وعن ظروفها المادية الصعبة وعدم تمكنها من دفع الإيجار وان لديها طفلا اخر معاقا بينما هي حامل ولا زال أمامها تكاليف الولادة.. خلال دقائق قامت سيدة من طرف الغرفة لتضع في يد المتحدثة مبلغا من المال.. ثم قامت الثانية ثم الثالثة وخلال دقائق. كانت السيدة تستقبل الأموال من الجميع بسعادة .. ثم دخلت ابنتها التي كانت في غرفة الألعاب.. وكنوع من رد الجميل نادت السيدة على ابنتها..." بابنتي فكي النظارة خليهم يشوفوا عينك..." وبينما أنا أتخيل حجم الtraumaالتي ستعاني منها الفتاة ابنة التسعة أعوام، كانت هي تخلع النظارة وتري عينها المستأصلة للجمهور وتتلقى الدعوات بالشفاء وهي تضحك..

     وبين كل ذلك كان ذكر الله يطيب المكان ،، فهذه سيدة مسنه يبدو عليها اثر الكيماوي واضحا وهي لا تكاد تقدر على ابقاء عينيها مفتوحتين او رأسها مرفوعا بينما تتمتم... يارب لك الحمد.. يارب لك الشكر... والجميع يدعو للجميع... والجميع يردد الله وحده الشافي...اجلس وسطهم  مبتسمة واذكر غرفة الانتظار في أمريكا حيث الصمت يلف المكان وكل في جزيرة وحده..

الجمعة، 21 نوفمبر 2014

حق المرأة وإن لم تكن طبيبة


اليوم أبدا الكيماوي في السعودية،، لكني أيضاً احتاج لنقل دم لأصالتي بالأنيميا الحادة... لا أكاد أقوى على الكلام ولا المشي.. تأتي الممرضة وتحاول  إيجاد وريد لتضع المحلول وخلال ذلك تقول للطبيب المقيم.. دكتور أعطي ورقة الموافقة على الكيماوي consent لزوجها ليوقعها...

وبينما كنت لا أكاد أقوى على فتح عيني وجدت الدم يغلي في عروقي وقلت للممرضه  بتعجب...

-نعم؟؟ الزوج يوقع عن المريضة.. وهل المرأة قاصر... !!

فاستدرك الطبيب وشرح للممرضة أني طبيبة و " أستطيع ان أوقع لنفسي!!"

فزاد تعجبي.. وهل حق المرآه في اتخاذ قرار علاجها موقوف على كونها طبيبة او من خلفية اجتماعية معينة.. ماذا عن ابنة القرية...  والمرأة غير المتعلمة.. هل عليها ان تسلم رقبتها لزوجها ليقرر في شان صحتها وحياتها ما يشاء.. ماذا لو قرر الزوج انه لا يريد ان يرى زوجته تفقد شعرها... ماذا لو قرر انه أهون عليه ان تموت في سلام من ان تعاني الأعراض الجانبية.. ماذا لو اختلفت هي معه في الرأي ورأت انها تريد العلاج ..
وبعد دقائق بدأ الطبيب يشرح لزوجي خارج ستارة السرير التي أجلس خلفها، خطة العلاج وأعراضه الجانبية.. وثانية وجدت في نفسي الطاقة لأقوم وأقف أمامهم ولسان حالي يقول " على فكرة أنا المعنية بهذا الكلام" فقال الطبيب معتذرا.. "عذرا دكتورة كنت سأعيد لك نفس الكلام بعد ما انتهي"... سبحان الله ولماذا "تعيد لي الكلام" بينما الطبيعي أن يكون الحديث معي أولا...فمن حق  المريض أن لا يعرف أي شخص مهما يكن بأي من تفاصيل علاجه أو تشخيصه إلا بأذنه هو.. لا أن يكون المريض "اخر من يعرف"... كم نرى هذه الممارسات في بلادنا فمثلا من الممارسات الشائعة أن يخبر  الأولاد بتشخيص الأم  ويمنعون الطبيب من اخبارها بتشخيصها "باعتبارها قاصرا ولا تقدر على تحمل الخبر "ويتخذون عنها قرارات العلاج بما يرونه الأصلح لها وينزع منها كل حق في تقرير المصير ..
إن  قرارات وزارة الصحة واضحة في إقرار حق المرأة في اتخاذ قرارات صحتها بنفسها وتوقيعها على الأوراق الرسمية بنفسها... لكنها ممارسات الكوادر الطبية الذين يخشون الاحتكاك مع الأزواج والأهل ... ان معاملة المرأة كقاصر بهذا الشكل المهين خاصة عندما يتعلق الامر بعلاج مصيري ويشكل القرار خطرا على حياتها لا علاقة له بدين ولا ملة ولا قانون بل هو ميراث مجتمع جاهلي بغيض نتشبث به  بسبب خوف غير مبرر من التغيير...

الأحد، 9 نوفمبر 2014

الأسباب والمسبب


عادة ما يأمرنا الله بالأخذ بالأسباب.. لأن ترك الأخذ بها "تواكل" ولكنه أحيانا يقطع عنا الأسباب ليعلمنا أن ليس بالأسباب تسير الأمور وأن وراء الأسباب مسببا. وهذا ما حدث معي.

في التجهيز لرحلتي من أمريكا عائدة للسعودية قام طبيب الأورام بتعبئتي بما يكفيني للرحلة...فأخذت جرعة الكيماوي وكيسين من كريات الدم الحمراء وكيسا من الصفائح الدموية ودواء منشطا للمناعة بما يكفيني للحياة خلال الرحلة ولأيام بعدها...

وكانت وصيته لي .."أهم شيء هو أن تبدئي المتابعة مع طبيب أورام بأسرع وقت"..وقبل سفري بدأ والدي في السعودية بالتنسيق لهذا الأمر والعمل عليه..(الأخذ بالأسباب).. ثم جئت فإذا بها أجازه الحج الطويلة. والأطباء الذين نعول عليهم خارج البلاد أصلا.

 أصبت بشيء من الهلع (وان لم أبده لأحد). قريبا تنزل الصفائح ثانية  إذ أن نخاع العظم توقف عن العمل منذ أسابيع. ولو نزلت الصفائح بشكل خطير ف"عطسة" واحده كفيلة ببدء نزيف في الدماغ لا يجد ما يوقفه ويقضي علي.. وراح القلق يتزايد ....

ثم بدأت أفكر.. هل هناك درس يريد الله أن يعلمني إياه؟!!
من هو الطبيب الحق.. وماذا بيد طبيب البشر أن يفعل إن لم يأذن الله بالشفاء.. ورحت أستأنس بكتب الدكتور مصطفى محمود وهو يصف كل ما دون الله بدمى متحركة على مسرح كرتوني يحركها الله من علٍ فما أحمق من يظن أن المسرح حقيقة. وقرأت قول الله " وما رميت إذ رميت ..ولكن الله رمى!"..

فحتى حين "نفعل" .. حين "نرمي" حين نصول ونجول.. لسنا نحن الفاعلين فهناك فاعل واحد في هذا الكون. ومن هنا صار ل "لا اله إلا الله " معنى أخر...

وقررت أني لن أسأل ولن أسعى للحصول على موعد مع الطبيب وسأترك الأمر للمدبر،  وقلت له يا رب لم يعد لي اليوم طبيب سواك.. مرت 3 أسابيع تيسر بعدها الموعد من حيث لا نحتسب.. وذهبت لأجد التحاليل عجبا فوظائف النخاع التي كانت معطلة منذ مدة وكانوا يخبرونني أنها معطلة بسبب انتشار الورم في النخاع وسيطرته عليه وليس كمجرد عرض جانبي للكيماوي.. وجدتها تحسنت بشكل ملحوظ. فالصفائح التي كانت 80 بعد نقل الصفائح بأيام ارتفعت ل130 وهو رقم لم أره منذ مده...وكذلك المناعة ارتفعت وتحسنت بدون "علاج "...

كان هذا درسا كبيرا في التوحيد. لكم كنت أحتاج إليه

الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

لا تغلقوا الأبواب

في بوست على ال Face book كتبت احدى صديقاتي الحبيبات عن مريض شخص للتو بالفشل الكلوي. فقال للطبيب " سأدعو الله ان يشفيني" فقال الطبيب " هذا مرض لا يرجى برؤه!!" فقال المريض.. " لكن الله يحيي العظام وهي رميم " فأجابه الطبيب.. "العظام وليس الكلى!!"..ومضى وهو يضحك..
حقا لا أملك الكلمات التي أصف بها هذا المدعو بالطبيب.. .إلا أنه لم يعرف الله ..لم يعرف قدرة الله.. وأنه لا فاعل بحق غير الله ولا طبيب غير الله وان كل علم الأطباء وأدويتهم وعلاجاتهم مجرد صور ومجرد أسباب لا تعمل إلا بأمره.. وأنه هو الذي وضع القوانين في الأرض وهو وحده الفادر على أن يغيرها بقول "كن".. مجرد "كن" منه سبحانه قادرة على تغيير كل شيء....كل شيء...
ولا أدري كيف سمح لنفسه أن يغلق باب رحمة الله واجابته في وجه عبد من عباده.. كم اغتر المسكين بعلمه.. أيحسب حقا أنه "طبيب" أيحسب  أنه يعلم تماما ما الذي يجري داخل جسد مريضه الآن وما الدي سيجري لاحقا...أيحسب أنه يعلم كل شيء؟ فان كان كذلك فما أشد حمقه!!...
منّ الله على بطبيب أمريكي عظيم. منذ تشخيصي وحتى انتشار المرض لم يقل كلمة واحدة تنم عن تشاؤم أو فقد للأمل. .لما أخبرني بانتشار الورم في العظم والنخاع والكبد كان كل ما قاله لي... "أعتقد أن ضراوة هذا المرض  تفرض علينا احترامها. فما أسرع ما انتشر بعد إتمام العلاج. ولكن لازال هناك ما نستطيع أن نعمله.. لا تزال هناك حلول..
ودوما كان يختم كلامه بقوله.. ستكونين بخير.. ويبتسم ابتسامته الطيبة..
ثم نصحني الأهل والأصدقاء  بأن أزور مستشفى كبيرا تابعا لجامعة هارفرد لأخذ رايهم في حالتي المستعصية... لعلهم يأتون بالعلاج المعجز.. فكان ذلك أقسى يوم في حياتي.. فقد أغلقت الطبيبة في وجهي كل الأبواب. .. وأشعرتني أني لن أدرك حتى أن أصل للسعودية لأموت وسط أهلي.. وأن الوضع مستعص ومغلق من كل جانب.. لكنها مع قسوتها لم تكن كصاحبنا الطبيب بل ختمت كلامها بقولها... "المعجزات تحصل.. وربما تتغير الأمور وتتحسن... وقد رأيت هذا من قبل"...

أعزائي الأطباء.. احذروا من اغلاق باب رحمة الله في وجه أحد.. فرحمة الله أوسع مما قد يخطر لأحد ببال...

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

سنكون جميعا بخير

في غرفة الانتظار مع بقية مرضى السرطان بانتظار العلاج الكيماوي.. عادة لا أضطر للانتظار مع الجميع بل أدخل فورا لغرفة الكيماوي الخاصة...لكن لعل الله أراد اليوم أن يعطيني درسا...

قبل أيام عدت للعمل.. وربما عاد للقلب شيء من عنجهية الأطباء وإن  لم ألحظه... ربما عاد لي اعتقاد "المناعة" و "الحصانة" الذي يشعر به جميع الأطباء فالأمراض دوما تصيب الآخرين ولكن ليس نحن...

أجلس وسط مرضى السرطان.. منهم من يرتدي الكمامة... منهم من يحتاج للأكسجين... منهم من أسود وجهه و جحظت عيناه.. وأبدو بفضل الله بحال أفضل بكثير... أخجل من شكلي الجيد وسطهم... أخجل من  قميصي الأحمر وحجابي المزين بالورود الملونة...

لكن لعلي بذلك أعطيهم أملا... ستكونون بخير كما أنني الآن بخير.. ستمر الأيام .. ونكون جميعا بخير..

الثلاثاء، 22 أبريل 2014

#اعفاء_وزير _الصحة...الفتح المبين!!!!



أتصفح تويتر اليوم وأجد من أقوى الهاشتاقات  #إعفاء _وزير _الصحة والتعليقات كلها شتم وسب ودعاء على من قتل الأبرياء وتسبب في كورونا وأشرف شخصيا على كل الأخطاء الطبية.

لن أتكلم عن الربيعة وليس لي في ذلك مصلحه، ولا اعرف ان كان قد قام بكل ما عليه أم لا. لكن سأتكلم عن نفسيتنا الجماعية كمواطنين فيم يسمى بالعالم الثالث.

بداية نحن شعب تعود المركزية ورضعها منذ صغره.

ادتنا ان المسؤول دائماً عن كل صغيرة وكبيره هو دائماً الرأس الكبيرة... هو قمة الهرم المقدس.. اما الصغار ، الموظفون، رؤساء الأقسام، مديرو الوحدات فهم مجرد صغار، مجرد دمى متحركة في يد الكبار وليس في يدهم حل ولا ربط..

تعودنا على نظرية السوبر مان . الوزير العظيم الطيب الذي يحل المشكلات ويصلح الحال ويسعد به العباد والبلاد فلا مريض يموت "بخطأ طبي" و فيروس الكرونا يفر هاربا كان لم يكن ...

وعلى ذكر الخطأ الطبي أحب ان أقول من تجربتي البسيطة كطبيبه ومريضة في الخارج ان الخطأ الطبي وموت المرضى في المستشفيات بسبب خطا احد العملين في المجال الصحي هو امر عالمي يحدث في كل المستشفيات من اكبرها لأصغرها ولهذا تعقد اغلب الأقسام في اغلب المستشفيات لقاء دوريا ( أسبوعيا غالبا) اسمه لقاء الموت والمرض morbidity and mortality meeting or M&M بمعنى لقاء نناقش فيه كل أسبوع حالة اخطأنا فيها هذا الأسبوع خطأ تسبب في موت المريض او تدهور حالته ونناقش معا داخل القسم كيف نتجنب هذا الخطأ في المستقبل. من هذه الأخطاء مثلا (وانا هنا أجلب مثالا من احد  المستشفيات  بمدينة بوسطن   وليس من احد قرى المملكة أو  مستشفى جيزان العام) :

-     نسي الفريق الطبي وقف مضاد حيوي خطير على الكلية واستمر المريض يأخذه بالوريد مده بعد الأيام المحددة وكذلك لم ينتبهوا لوظائف الكلية التي بدأت تتدهور. بل وقام أحد الأطباء بحساب الجرعة خطا وإعطاء جرعة مضاعفة. لم ينتبهوا حتى أصيب المريض بالفشل الكلوي ومضاعفاته وأضطر لغسيل الكلة.

-     حاول أحد الأطباء ادخال أنبوب الأنف الموصل للمعدة للنظر لسائل المعدة لكنه واجه صعوبة فأدخله بعنف فكسر عظمة أسفل الجمجمة و صار. الأنبوب في الدماغ ومات المريض.


كما ترون هذه الأمثلة هي اخطاء طيبه لا عذر فيها، ليست أعراضا جانبيه او مضاعفات معروفه بل اخطاء لا تبرير لها مع هذا لا يكون اللقاء الأسبوعي لقاء صراخ وإلقاء لوم مع اننا هنا في مستشفيات خاصه تهمها سمعتها ان لا تتعرض للمحاكمة من المريض وأهله بل لمعرفة سبب وقوع الخطأ وتجنب حدوثه ثانية. مثلا هل يحل المشكلة الأولى ان يتغير نظام المستشفى الالكتروني فلا يسمح بإدخال اي مضاد حيوي بدون تاريخ انتهاء؟ هل يحلها ان نحث موظف الصيدلية على المزيد من التركيز عند تنفيذ أوامر الآباء فلا يمر دواء بغير مراجعة الجرعة وعدد الأيام ان كان مضادا. الخطأ الطبي كما يقولون هنا لا يقوم به الأطباء لأنهم أشرار ويريدون تعذيب المرضى بل لأنهم بشر يحتاجون نظاما متكاملا يعينهم على عدم الخطأ.


لا تسمع في مثل هذه اللقاءات اسم وزير الصحة. لأنها مشاكل داخليه تحل على مستوى المستشفى.  لماذا عندنا يقحم وزير الصحة في كل صغيرة وكبيرة. لماذا حين يخطأ عامل معمل ويعطي طفلة دما مصابا بفيروس نقص المناعة نسمع صيحات المطالبة بإقالة وزير أصلحه لا بمحاسبة الفني المخطئ وتعديل النظام الذي أدى لهذا الخطأ الفادح. لماذا حين يصيبنا وباء مثل كورونا بكل ما يحمله من تحدي لأي نظام صحي يشتغل الاعلام والتواصل الاجتماعي في اخراج الفضائح بدلا من التركيز على بناء نظام طوارئ يقلل من انتقال العدوى وتشجيع الوزارة والوزير لبذل المزيد في هذا الإطار. لماذا هذه الروح السلبية والتي تجد سعادتها في اخراج الفضائح فتكون النتيجة إقالة الوزير في وقت حرج جداً ووضع وزير جديد سيحتاج لكثير من الوقت والجهد ليفهم نظام الصحة وطريقة عملها وليبدء الاجتهاد والمحاولة في حين الوباء ينتشر ولا ينتظر .

الخميس، 6 مارس 2014

ربيعي.. و ربيعها


تقف أمامي شجرة..

أول ما يخطر ببالك حين تراها أنها لا تزال جرداء.. لا تزال خشبا وأغصانا.. لم تتفتح وتزهر كقريناتها.. ولم تبدأ البراعم بالظهور بعد.. لكن.. إذا دققت النظر.. رأيت الجمال الكامن.. والعطاء الكامن.. رأيت جذعا أقوى من كل قريناتها.. وغصونا غنية قوية متشابكة.. توحي بحكمة كبيرة وتجارب كثيرة..

رأيت جمالا أخاذا متخفيا في مظهرها الجرد.. رأيت عمقا للجذور يجعلها أكثر ثباتا من مثيلاتها..

رأيت جمالا لا يوصف ينتظر أن يأتي وقته ليتفتق زهرا وخضرة وثمرا وعطاء.. ولكن يبدو أنه لم يحن الوقت بعد... ترى هل هي غيرى من قريناتها...الأقل غصونا وتشعبا.. الأقل عمقا وأقل جمالا لكنهن جميعا أزهرن وأينعن بينما هي تنتظر..

لا أظن.. لأنها تعرف حقيقة نفسها.. وتعرف ما خبأ الله لها من عطاء كبير دفين.. وتعرف أن الزمن في عين الله لا وجود له..

ولا زلت معها انتظر أن يحل الربيع.. ربيعها هي .. وربيعي أنا.. ربيعنا الذي يختلف عن ربيع باقي المخلوقات لنزهر ونثمر..

ولكل منا ربيعه.. ولكننا نستعجل..

الجمعة، 21 فبراير 2014

هل ندفن مرضانا أحياء؟


في الموقع الالكتروني للمستشفى التي أتعالج بها.. الخبر الأول

جائزة الشجاعة السنوية للمريضة آلي      .. تساءلت قبل فتح الخبر.. ما المميز لدى هذه المريضة .. ولسان حالي يقول.. ألست الأشجع.. من مثلي حارب السرطان وهو يحمل جنينا بين احشائه ويرعى طفلا بين يديه...ثم فتحت الخبر..

آلي تبلغ من العمر 19 عاما ولكن رحلتها مع السرطان بدأت في السادسة حيث أصيبت بسرطان بغيض في الأعصاب اسمه neuroblastoma..احتاجت بسببه للجراحة والكيماوي والاشعاع وعدد من محاولات زرع النخاع لتشفى منه بأعجوبة.. ولكن في عمر الحادية عشر عاودها السرطان ثانية فاحتاجت للكيماوي لمدة 3 سنوات حتى تخلصت منه ..ولكنه أبى إلا أن يعود وهي في السادسة عشر.. لتغالبه وتدافعه مرة اخرى.. حتى أصيبت في العام الماضي بسرطان جديد.. سرطان العظام الذي أصاب رجلها اليسرى فعادت للعلاج الأليم مرة أخرى.. كم تحملت هذه المسكينة طوال تلك السنين ومنذ نعومة أظافرها.. وأنا التي ظننت أني محاربة.. وأنني من أشجع خلق الله..

لكن ما أثارني في قصتها ليس صبرها فحسب.. فآلي الآن وهي في التاسعة عشر تدرس في السنة الثانية من الكلية في تخصص تؤمن به وهو تعليم الطفولة المبكرة.. ولي هنا وقفة وأي وقفة..

لو كانت آلي في بلدنا .. هل كان أهلها سيرسلونها للمدرسة مع كل ما هي فيه؟..ألم يكونوا على الأقل سيقولون "انتظري حتى تتخلصي من السرطان تماما ثم تذهبين للدراسة.. ".. ألم تكن ستسمع عبارات مثل " أنت مريضة.. " "لن تستطيعي".. "من سيعتني بك".. "يكفيك الاستلقاء على الكنبة ومشاهدة التلفاز"...

لو كانت آلي عندنا لما استطاعت أن  تخرج من البيت إلا بشق الأنفس.. ولما استطاعت حتى الذهاب للملاهي للعب مع الأطفال .. فالأهل يخافون عليها.. يخجلون من مرضها.. ويفضلون تركها "محمية مصانة" على الأريكة وأمام التلفاز..

كم نسرق الحياة من مرضانا... أتذكر الآن عشرات مرضى الأنيميا المنجلية والثلاسيميا الذين تعج بهم مستشفياتنا.. بنات وأولاد في عمر الزهور.. مرضهم أهون بكثير من السرطان الذي تعاني منه "آلي". .لكنهم دوما يحرمون التعليم.. يحرمون اللعب ويحرمون الحياة..

 

ولا يتوقف الأمر على الصغار.. حتى الكبار.. الآباء والأمهات.. الاجداد والجدات.. ما أن يصابوا بمرض عضال حتى تسحب منهم كل الصلاحيات وكل المهام ويبقى دورهم الوحيد هو الجلوس في البيت لاستقبال التعازي.

 

أعلم ان النوايا دائما حسنة.. لكن النوايا الحسنة لا تجعل من دفن المرضى أحياء عملا فاضلا...

السبت، 18 يناير 2014

آخر أيام الاشعاع


 الحلقة السابعة والعشرون من رحلتي مع سرطان الثدي


أجر أقدامي ليوم آخر من العلاج الاشعاعي.. لمدة سبعة أسابيع آتي للمستشفى كل يوم لتلقي الاشعاع.. ولكن في الأيام الأخيرة صارت الأمور أصعب..وصرت أمقت هذا المشوارالصباحي البغيض.. فالجو يزداد برودة والعواصف الثلجية تهب كل حين وآخر.. والسير في الثلج والرياح مؤلم ومرهق.. أضف لذلك أن العلاج في الاسابيع الاخيرة قد أثر كثيرا على المنطقة المتعرضة للاشعاع.. فالتهبت وتقرحت وصارت حتى الثياب مؤلمة ان لامستها..ولكن لا يزال علي الاستمرار... والتعرض للمزيد والمزيد من العلاج الاشعاعي على منطقة احترق فيها جلدي تماما..أجر أقدامي وأحاول تجديد النية..


 حسنا.. أنا ذاهبة لطلب التداوي كما أمرنا الله.. حتى أكون قد أخذت بكل الأسباب ولم أدع شيئا أستطيع فعله.. أطلب التداوي لأقضي على ما بقي من المرض.. لأحيا.. وأعيد التفكير مرارا.. لماذا أريد أن أحيا..
لأكون لأبنائي خير أم... لأعينهم في مشوار الحياة الصعب وأضيئ لهم طريقهم ما استطعت.. لأكون نورا للناس من حولي ... ودفعة أمل لهم... لأكون لمرضاي الذين ضاقت بهم السبل خير طبيبة تشعر بألمهم وتفهمه بعمق بعد كل ما مررت به... لأفتح في الطب النفسي فتوحا تخدم بلادنا التي تعاني فقرا مدقعا في هذا المجال.. فقرا في الكم والكيف والموارد وحتى الفهم والتقبل...

حسنا.. جددت النية.. ووصل القطار لمحطة المستشفى.. وحان الوقت للمزيد من الاشعاع.. تستقبلني الممرضة ضاحكه.. اليوم الأخير ...ياااااااي....
-حقا.. اليوم هو اليوم الأخير.. وتنفرج أساريري بضحكه من القلب.. أخيييييرا... الحمد لله..
أكاد أقفز فرحا .. غيرت ملابسي بسرعة وجلست في غرفة الانتظار.. وإلى جواري سيدة مسنة أراها لأول مرة..
بادرتها بسعادة..
-اليوم آخر يوم لي !!! (لم تكن الفرحة تسعني فأردت مشاركة أي أحد)..
-حقا.. مبروك.. انا في ثالث اسبوع من أصل سبعه..
-ستكونين بخير.. وستمر بسرعة..
-أين تأخذين الاشعاع..
-مكان الثدي المستأصل .. وانت؟
-الدماغ.. هذا سيء أليس كذلك..لكني واثقة أن الله سيعتني بي.. وبك..
-نعم.. أعلم ذلك.. نحن في نعمة...
 وسكت برهة ولا أدري لم وجدت نفسي أقول لها..
-لدي في البيت طفلان.. أربعة سنوات.. وأربعة أشهر.. وابتسمت..
فردت بابتسامة واسعة وقالت..
-لا تقلقلي سيبقيك الله لهم لتربيهم.. أنا واثقة.. سأدعو لك.. وأنت.. أدع لي ..
وجاءت الممرضة لتناديني للجلسة...


ابتسمت لها وذهبت.. وبعد الاشعاع.. أعطتني الممرضة ورقة ملفوفة.. تساءلت ما هي فقالت ضاحكة.. شهادة التخرج!

فتحتها ووجدت فيها شهادة تخرج من الاشعاع.. بتوقيع كل الممرضات الذين رأيتهم خلال أسابيع العلاج وتمنياتهم لي بالشفاء..
كم أحببت هذه الهدية.. وكم حملت كثيرا من التفائل في طياتها..
وخرجت من المستشفى وقلبي ينبض بالحب لكل من يشاركني الانسانية و يتنفس معي نفس الهواء..