الخميس، 27 نوفمبر 2014

غرفة الانتظار والفلكلور الشعبي..


في غرفة الانتظار بالمستشفى الذي اتعالج به الان في السعودية،،مشهد من الفلكلور الشعبي الذي غبت عنه سنين بحكم الغربة... اجلس لتوي على كرسي شاغر... سيده على بعد تنظر الي عيني مباشره وتسأل

-     انت وين جاك الورم؟؟؟

-     أجبتها بشيء من الاستغراب لدخولها علي بهذه ألقوه دون حتى ان تعرف اسمي... ثم راحت تسال عن تفاصيل علاجي.. ودخلت معها في الاستجواب مريضات أخريات وانا أتمنى ان اختفي بطريقة ما.. ثم بدأت كل منهن في قص حكايتها وتشاغلت أنا بسبحتي تجنبا لأي استجواب اخر... بعد قليل جاءت سيدة اخرى وسألتني،، انت تأخذين دين عسل ؟ فأجبتها نعم..

-     كيف؟

-     ؟؟؟؟؟بالملعقة!!!

-     بالملعقة،، العسل حالي صح؟

-     ؟لم افهم السؤال  ... هل هو سؤال تضليلي...هل تقصد أني سأصاب بالسكر؟؟بعدها بدأت السيدات بإعطاء بعض وخصوصا أنا ( ربما باعتباري الأصغر في الجلسة) وصفات لعلاج السرطان.. سمعت كل انواع الوصفات والاستشهادات والبحوث التي خرجت غالبا من جامعة الواتس اب.

بعدها حدث شيء مثير... سيدة ترافق ابنتها المريضة بسرطان امتد لعين الطفلة فاضطروا لاستئصالها.. بدأت الام تحكي للسيدة بجوارها عن مرض ابنتها، وعن ظروفها المادية الصعبة وعدم تمكنها من دفع الإيجار وان لديها طفلا اخر معاقا بينما هي حامل ولا زال أمامها تكاليف الولادة.. خلال دقائق قامت سيدة من طرف الغرفة لتضع في يد المتحدثة مبلغا من المال.. ثم قامت الثانية ثم الثالثة وخلال دقائق. كانت السيدة تستقبل الأموال من الجميع بسعادة .. ثم دخلت ابنتها التي كانت في غرفة الألعاب.. وكنوع من رد الجميل نادت السيدة على ابنتها..." بابنتي فكي النظارة خليهم يشوفوا عينك..." وبينما أنا أتخيل حجم الtraumaالتي ستعاني منها الفتاة ابنة التسعة أعوام، كانت هي تخلع النظارة وتري عينها المستأصلة للجمهور وتتلقى الدعوات بالشفاء وهي تضحك..

     وبين كل ذلك كان ذكر الله يطيب المكان ،، فهذه سيدة مسنه يبدو عليها اثر الكيماوي واضحا وهي لا تكاد تقدر على ابقاء عينيها مفتوحتين او رأسها مرفوعا بينما تتمتم... يارب لك الحمد.. يارب لك الشكر... والجميع يدعو للجميع... والجميع يردد الله وحده الشافي...اجلس وسطهم  مبتسمة واذكر غرفة الانتظار في أمريكا حيث الصمت يلف المكان وكل في جزيرة وحده..

الجمعة، 21 نوفمبر 2014

حق المرأة وإن لم تكن طبيبة


اليوم أبدا الكيماوي في السعودية،، لكني أيضاً احتاج لنقل دم لأصالتي بالأنيميا الحادة... لا أكاد أقوى على الكلام ولا المشي.. تأتي الممرضة وتحاول  إيجاد وريد لتضع المحلول وخلال ذلك تقول للطبيب المقيم.. دكتور أعطي ورقة الموافقة على الكيماوي consent لزوجها ليوقعها...

وبينما كنت لا أكاد أقوى على فتح عيني وجدت الدم يغلي في عروقي وقلت للممرضه  بتعجب...

-نعم؟؟ الزوج يوقع عن المريضة.. وهل المرأة قاصر... !!

فاستدرك الطبيب وشرح للممرضة أني طبيبة و " أستطيع ان أوقع لنفسي!!"

فزاد تعجبي.. وهل حق المرآه في اتخاذ قرار علاجها موقوف على كونها طبيبة او من خلفية اجتماعية معينة.. ماذا عن ابنة القرية...  والمرأة غير المتعلمة.. هل عليها ان تسلم رقبتها لزوجها ليقرر في شان صحتها وحياتها ما يشاء.. ماذا لو قرر الزوج انه لا يريد ان يرى زوجته تفقد شعرها... ماذا لو قرر انه أهون عليه ان تموت في سلام من ان تعاني الأعراض الجانبية.. ماذا لو اختلفت هي معه في الرأي ورأت انها تريد العلاج ..
وبعد دقائق بدأ الطبيب يشرح لزوجي خارج ستارة السرير التي أجلس خلفها، خطة العلاج وأعراضه الجانبية.. وثانية وجدت في نفسي الطاقة لأقوم وأقف أمامهم ولسان حالي يقول " على فكرة أنا المعنية بهذا الكلام" فقال الطبيب معتذرا.. "عذرا دكتورة كنت سأعيد لك نفس الكلام بعد ما انتهي"... سبحان الله ولماذا "تعيد لي الكلام" بينما الطبيعي أن يكون الحديث معي أولا...فمن حق  المريض أن لا يعرف أي شخص مهما يكن بأي من تفاصيل علاجه أو تشخيصه إلا بأذنه هو.. لا أن يكون المريض "اخر من يعرف"... كم نرى هذه الممارسات في بلادنا فمثلا من الممارسات الشائعة أن يخبر  الأولاد بتشخيص الأم  ويمنعون الطبيب من اخبارها بتشخيصها "باعتبارها قاصرا ولا تقدر على تحمل الخبر "ويتخذون عنها قرارات العلاج بما يرونه الأصلح لها وينزع منها كل حق في تقرير المصير ..
إن  قرارات وزارة الصحة واضحة في إقرار حق المرأة في اتخاذ قرارات صحتها بنفسها وتوقيعها على الأوراق الرسمية بنفسها... لكنها ممارسات الكوادر الطبية الذين يخشون الاحتكاك مع الأزواج والأهل ... ان معاملة المرأة كقاصر بهذا الشكل المهين خاصة عندما يتعلق الامر بعلاج مصيري ويشكل القرار خطرا على حياتها لا علاقة له بدين ولا ملة ولا قانون بل هو ميراث مجتمع جاهلي بغيض نتشبث به  بسبب خوف غير مبرر من التغيير...

الأحد، 9 نوفمبر 2014

الأسباب والمسبب


عادة ما يأمرنا الله بالأخذ بالأسباب.. لأن ترك الأخذ بها "تواكل" ولكنه أحيانا يقطع عنا الأسباب ليعلمنا أن ليس بالأسباب تسير الأمور وأن وراء الأسباب مسببا. وهذا ما حدث معي.

في التجهيز لرحلتي من أمريكا عائدة للسعودية قام طبيب الأورام بتعبئتي بما يكفيني للرحلة...فأخذت جرعة الكيماوي وكيسين من كريات الدم الحمراء وكيسا من الصفائح الدموية ودواء منشطا للمناعة بما يكفيني للحياة خلال الرحلة ولأيام بعدها...

وكانت وصيته لي .."أهم شيء هو أن تبدئي المتابعة مع طبيب أورام بأسرع وقت"..وقبل سفري بدأ والدي في السعودية بالتنسيق لهذا الأمر والعمل عليه..(الأخذ بالأسباب).. ثم جئت فإذا بها أجازه الحج الطويلة. والأطباء الذين نعول عليهم خارج البلاد أصلا.

 أصبت بشيء من الهلع (وان لم أبده لأحد). قريبا تنزل الصفائح ثانية  إذ أن نخاع العظم توقف عن العمل منذ أسابيع. ولو نزلت الصفائح بشكل خطير ف"عطسة" واحده كفيلة ببدء نزيف في الدماغ لا يجد ما يوقفه ويقضي علي.. وراح القلق يتزايد ....

ثم بدأت أفكر.. هل هناك درس يريد الله أن يعلمني إياه؟!!
من هو الطبيب الحق.. وماذا بيد طبيب البشر أن يفعل إن لم يأذن الله بالشفاء.. ورحت أستأنس بكتب الدكتور مصطفى محمود وهو يصف كل ما دون الله بدمى متحركة على مسرح كرتوني يحركها الله من علٍ فما أحمق من يظن أن المسرح حقيقة. وقرأت قول الله " وما رميت إذ رميت ..ولكن الله رمى!"..

فحتى حين "نفعل" .. حين "نرمي" حين نصول ونجول.. لسنا نحن الفاعلين فهناك فاعل واحد في هذا الكون. ومن هنا صار ل "لا اله إلا الله " معنى أخر...

وقررت أني لن أسأل ولن أسعى للحصول على موعد مع الطبيب وسأترك الأمر للمدبر،  وقلت له يا رب لم يعد لي اليوم طبيب سواك.. مرت 3 أسابيع تيسر بعدها الموعد من حيث لا نحتسب.. وذهبت لأجد التحاليل عجبا فوظائف النخاع التي كانت معطلة منذ مدة وكانوا يخبرونني أنها معطلة بسبب انتشار الورم في النخاع وسيطرته عليه وليس كمجرد عرض جانبي للكيماوي.. وجدتها تحسنت بشكل ملحوظ. فالصفائح التي كانت 80 بعد نقل الصفائح بأيام ارتفعت ل130 وهو رقم لم أره منذ مده...وكذلك المناعة ارتفعت وتحسنت بدون "علاج "...

كان هذا درسا كبيرا في التوحيد. لكم كنت أحتاج إليه