اليوم أقدر الحياة أكثر من أي وقت مضى. أستشعر النعمة في كل يوم جديد
وأستشعر غلاوة كل ساعة.. كم هو ثمين الزمن على هذه الأرض.. ولشدة غلاوة ساعاتي في
الدنيا ولمعرفتي أنها ليست (كما كنت أتوهم) بلا نهاية فإني أضن بها.. هي عندي أثمن
من أن أمضيها في دوامة أدور فيها في فلك وظيفة
أو برنامج زمالة. فهي وان كانت ستوصلني للهدف إلا أنها ستأخذ مني الكثير
وتطالبني بالكثير مما يحقق أجندة صاحب العمل أو البرنامج الدراسي لا أجندتي أنا..
فقررت أن أكون ملكة وقتي.. أن أتصرف في ال24 ساعة يوميا بأفضل شكل
أراه.. فأسلك الطريق الذي أره الأقصر لأصل لله وأوصل الناس إليه..
لكني اكتشفت أن الأمر ليس
بهذه السهولة .. اكتشفت كم هي ثقيلة مسؤولية الوقت فنحن منذ نعومة أظفارنا لم نعتد
أن نكون المتحكمين في يومنا ..اعتدنا أن تدور حياتنا في فلك المدرسة ..فما الحياة
إلا ذهاب للدوام.. وعودة من الدوام.. و عمل لواجبات ومتطلبات الدوام.. واستراحة من
الدوام لنعود إليه مرة أخرى.. وهكذا دواليك على مدى سنين وسنين من الدراسة ثم
الدراسات العليا ثم العمل.. حتى صار العيش بغير هذا الإطار الذي يرسمه لنا الآخرون
صعبا للغاية..
صرنا كالعصفور الذي ألف القفص وصار يخشى الحرية ولا يدري ما يفعل
بها.. فتراه يعود للقفص راضيا.. فجدران القفص تمثل له الأمان.. وأي أمان أكبر من
أن لا تضطر لأن تسأل نفسك السؤال المؤرق.. "لماذا أحيا اليوم وماذا سأضيف أو
أقدم".. فالإجابة قد وضعت لك مسبقا من قبل أخرين.. وأي أمان أكير من أن
تستطيع أن تنسب أي اخفاق في حياتك للمنظمة
التي تحيا في ظلها فهي تمثل شماعة ممتازة
للتعاسة التي قد تعيشها.. كما أنها تعطينا وجاهة اجتماعية واحساسا بالأهمية
والانجاز وان كان وهميا..
فإن قررت التحليق لوحدي بغير سرب فسيكون علي أن أعرف تماما إلى أين
أريد أن أذهب وكيف أصل هناك فأشق طريقا لم تسلكه قدم غير قدميّ.. وأن أبقى يقظة
لكل ما يمكن أن يسرق وقتي أو يجرفني بعيدا عن مساري.. وعلي مع ذلك أن أجيب على سؤال
المجتمع الشهير.. "ماذا تفعلين في هذه الأيام؟؟".. فأجيب بغير أن أشعر
بالنقص او الانتقاص لما أفعل ..
ولعل اجابتي تكون شيئا مثل..
" حسنا.. حاليا أحاول أن أجد نفسي وأجد الله بهدوء وبغير ضوضاء.. وأن أعطي بقدر ما أملك عطاء ذا
معنى".......