الجمعة، 9 يناير 2015

التحليق بغير سرب

 
اليوم أقدر الحياة أكثر من أي وقت مضى. أستشعر النعمة في كل يوم جديد وأستشعر غلاوة كل ساعة.. كم هو ثمين الزمن على هذه الأرض.. ولشدة غلاوة ساعاتي في الدنيا ولمعرفتي أنها ليست (كما كنت أتوهم) بلا نهاية فإني أضن بها.. هي عندي أثمن من أن أمضيها في دوامة أدور فيها في فلك وظيفة  أو برنامج زمالة. فهي وان كانت ستوصلني للهدف إلا أنها ستأخذ مني الكثير وتطالبني بالكثير مما يحقق أجندة صاحب العمل أو البرنامج الدراسي لا أجندتي أنا..
فقررت أن أكون ملكة وقتي.. أن أتصرف في ال24 ساعة يوميا بأفضل شكل أراه.. فأسلك الطريق الذي أره الأقصر لأصل لله وأوصل الناس إليه..
لكني اكتشفت أن الأمر  ليس بهذه السهولة .. اكتشفت كم هي ثقيلة مسؤولية الوقت فنحن منذ نعومة أظفارنا لم نعتد أن نكون المتحكمين في يومنا ..اعتدنا أن تدور حياتنا في فلك المدرسة ..فما الحياة إلا ذهاب للدوام.. وعودة من الدوام.. و عمل لواجبات ومتطلبات الدوام.. واستراحة من الدوام لنعود إليه مرة أخرى.. وهكذا دواليك على مدى سنين وسنين من الدراسة ثم الدراسات العليا ثم العمل.. حتى صار العيش بغير هذا الإطار الذي يرسمه لنا الآخرون صعبا للغاية..
صرنا كالعصفور الذي ألف القفص وصار يخشى الحرية ولا يدري ما يفعل بها.. فتراه يعود للقفص راضيا.. فجدران القفص تمثل له الأمان.. وأي أمان أكبر من أن لا تضطر لأن تسأل نفسك السؤال المؤرق.. "لماذا أحيا اليوم وماذا سأضيف أو أقدم".. فالإجابة قد وضعت لك مسبقا من قبل أخرين.. وأي أمان أكير من أن تستطيع أن تنسب أي اخفاق في حياتك للمنظمة  التي تحيا في ظلها فهي تمثل شماعة ممتازة  للتعاسة التي قد تعيشها.. كما أنها تعطينا وجاهة اجتماعية واحساسا بالأهمية والانجاز وان كان وهميا..
فإن قررت التحليق لوحدي بغير سرب فسيكون علي أن أعرف تماما إلى أين أريد أن أذهب وكيف أصل هناك فأشق طريقا لم تسلكه قدم غير قدميّ.. وأن أبقى يقظة لكل ما يمكن أن يسرق وقتي أو يجرفني بعيدا عن مساري.. وعلي مع ذلك أن أجيب على سؤال المجتمع الشهير.. "ماذا تفعلين في هذه الأيام؟؟".. فأجيب بغير أن أشعر بالنقص او الانتقاص لما أفعل ..
 ولعل اجابتي تكون شيئا مثل.. " حسنا.. حاليا أحاول أن أجد نفسي وأجد الله بهدوء  وبغير ضوضاء.. وأن أعطي بقدر ما أملك عطاء ذا معنى".......

الجمعة، 2 يناير 2015

البعبع الكبير.. الموت


  حسنا...آن الأوان لأن أواجه البعبع الكبير.... الموت... أليس هو النهاية " الأسوء" أليس هو " هزيمتي أمام المرضأليس هو لحظ العاثر" الذي يحاول اختطاف شابه من وسط أطفالها وعائلتها.... هكذا يعرفون الموت  في الغرب. ولكن نظرتنا الاسلامية للموت مختلفة... وهي حقاً ليست بهذا السوء بل هي حتى مبهجه... فالموت عندنا ليس نهاية بل هو انتقال وهو انتقال من حياة محدودة قصيره كتب على الانسان فيها الكبد للحياة الأبدية الحقيقية.. حياة  تجمعنا بالصالحين على مدى الزمان.. تجمعنا بالله وملائكته.. حياة النعيم فيها دائم والسعادة فيها لا تزول... هذه هي حقيقة الموت فهو ليس فناء ولا هزيمة.. وهو  قطار نركبه جميعا   أدركنا أم لم ندرك لنذهب كلنا لنفس المحطة عند رب رحيم كريم نظن به ان يجمعنا وأهلنا واحبابنا في مقعد صدق عند مليك مقتدر...الكل في نفس القطار والكل ينزل في نفس المحطة.. المريض والصحيح.. الغني والفقير.. لكن لعل الفرق  أن المريض قد أعطي  إنذارا قبل المحطة ليستعد للنزول بينما حرم الصحيح هذا الإنذار..

 

من علاقتي العميقة مع الغرب... ارى كم نحن المسلمون محظوظون بهذا الفكر... فاليهود مثلا ليس في تصوراتهم ذكر كثير للحياة الآخرة... فعندما نصل في النقاش  للكلام عن الحياة الاخرى وان هذه الدنيا ليست نهاية القصة ترى الحيرة في عيونهم... نعم هناك حياة اخرى ولكننا لا نعرف الا هذه الحياة وأرواحنا لا تعرف الا هذا الجسد... فالحياة الاخرى مجرد مجهول... وكل مجهول مخيف...

 

أما  غير المؤمنين   فالموت بالنسبة لهم هو النهاية.. نهاية كل سعادة.. نهاية العلاقة بالأهل والأحباب نهاية  كل شيء.. هو صمت مطبق.. هو العدم والفناء.. فلا ريب أن يكون خبر اقتراب الموت أليما خانقا.. ولا عجب أن يتولد الإحساس.. ولماذا أنا؟؟..من بين كل الناس .. أختطف هكذا من سعادتي.. أنا لا استحق ذلك !!أين العدل!!...


كم  اشكر الله ان عرفنا الآخرة في كتابه وحكى لنا عنها و حببنا في جنته ورغبنا فيها حتى لا تصير الدنيا التي لم تكمل يوما لأحد هي منتهى  الأمل.. فنحن ندرك أن هذه الحياة ليست نهاية القصة وأننا نحيى فصلا واحدا من رواية طويلة لا تكتمل إلا في الاخرة.. عندها سنرى أثر المرض وأثر البلاء وعندها سنعرف أن خيار الله كان الأفضل والأنسب بكل المقاييس...