الثلاثاء، 14 يناير 2014

ننظرة جديدة.. للكيماوي

الحلقة التاسعة من رحلتي مع سرطان الثدي

اقترب موعد العلاج الكيماوي.. مخاوف كثيرة تطفو على السطح... كيف سيؤثر علي.. كيف سيؤثر على مريم المسكينة (وهو الاسم الذي أطلقته على المخلوق الصغير في بطني).. هل سأكون طريحة الفراش.. هل سيمتلئ فمي بالتقرحات ولن أقدر على الأكل.. هل سيسقط شعري ورموشي وحواجبي كما أخبروني؟..هل سأعاني من الالتهابات بسبب نقص المناعة وأضطر للتنويم في المستشفى.. هل سيتغير شكلي ولوني وجلدي وأتحول لمومياء حية رمادية اللون..

كلما قرأت أكثر عن الكيماوي وأعراضه كلما اسودت الصورة أكثر.. لكني قررت مواجهته بشجاعة كجزء لابد منه في هذه التجربة ..

حتى شاء الله وقامت صديقة عزيزة بترتيب لقاء لي مع طبيب ترك عمله في طب القلب لاكثر من 30 سنه وقرر أن يتفرغ ما بقي من عمره في العمل على دعم مرضى السرطان..

لم أشعر أني احتاج للذهاب.. (فماذا يمكنه أن يضيف لي..) وذهبت خصيصا لأجل صديقتي.. ولكني حقا لم أندم..

رأيت رجلا على مستوى عال من الفهم والعمق... والاحساس الصادق.. تكلمنا لساعات فوجدته وهو اليهودي المولد يفهم تماما معنى عمق العلاقة مع الله ..

بدأنا الحديث عن الكيماوي وكان ذلك قبل أن أبدأه بيوم واحد.. فسألني:

- ما احساسك ؟..

- حسنا.. كان بعض الناس يقولون لي.. عليك بالدعاء والقيام والبكاء.. وسيختفي الورم ولن تحتاجي للكيماوي "اللعين".. لكني لا أشعر أن هذا ما يريده الله.. أشعر أنه يجب أن أمر بتجربة الكيماوي.. بكل المها وقسوتها.. كجزء من رحلتي في الطريق إلى الله..

فاجئتني اجابته..

-          لماذا تظنين أن الله يحتاج لأن "يفركك بليفة خشنة" ليطهرك.. لماذا تظنين أن عليك أن تقاسي الكيماوي لتكوني أقرب لله.. لتلمعي وتضيئي وتنشري نورك حولك.. أنت لؤلؤة.. ولا تحتاجين لهذا "الدعك" لتضيئي..

أتفق معك أن الله يريدنا أن نأخذ بالأسباب ولا نتواكل.. وأن أخذك للكيماوي لا بد منه لتكوني قد عملت ما يجب عليك في محاربة هذا الورم.. لكن.. ألا يستطيع الله أن يهونه عليك فيكون بردا وسلاما؟!!

-          بلى .. ولكن..

-          اسمعي... أنا دائما أنصح مرضاي أن لا ينظروا للكيماوي كمصيبة ستنزل عليهم.. كسم يحب عليهم تجرعه.. كعدو.. سيهلك أجسامهم ويسلبها البهجة والصحة..فهو في النهاية.. صنع ليساعدك...ليقضي على الورم.. فهلا استقبلته وانت شاكرة لله أنه أوجد هذا الدواء وجعله سببا للشفاء..

كانت تلك أول مرة أسمع فيها هذه الطريقة في التفكير.. كانت كل فكرتي عن الكيماوي أنه جزء من البلاء الذي يجب أن أصبرعليه واتجرعه رغم ألمه..

-استقبلي الكيماوي بفرح..بل وتحدثي إليه.. قولي له أني سعيدة أن الله سخرك لي..وأنا أسألك بقدرة الله عليك أن تدخل جسدي فتفعل ما صُنعت لأجله.. فتقضي على كل خلية سرطانية مؤذية.. وأن تدع جسدي ولا تمسه بسوء.. وأن لا تمس ابنتي بسوء..فأنا مأمورة وانت مأمور وكلنا بأمر الله نعمل..

كان يتكلم وأنا أتذكر قصة قديمة سمعتها عن عقبة بن نافع إذ دخل إحدى الغابات خلال فتح أفريقيا فوجدها ملئت سباعا فحادثها قائلا.. "نحن جيش محمد بن عبد الله.. أتينا لنعبّد الأرض لله.. إني أسألكم بالله ربي وربكم أن ترحلوا عنا ولا تؤذونا.." فرأى الناس الأسود والسباع تحمل صغارها في فمها وتغادر حتى عبر هو و جيشه..

تعجبت أن أسمع هذا المعنى العميق من الامتنان لله والتوكل عليه واستبدال الطاقة السلبية المقيتة بطاقة ايجابية متفائلة .. أن أسمع هذا من يهودي.. وحزنت لكل مريض سرطان.. غاب عنه هذا المعنى.. فاستقبل الكيماوي بعين دامعة وكأنما يساق إلى الموت سوقا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق