الجمعة، 17 يناير 2014

إيمي ولويس ومقايضة البلاء


الحلقة  الحادية والعشرون من رحلتي مع سرطان الثدي

في دورة للتنويم المغناطيسي للمعالجين النفسيين والأطباء .. تعرفت على لويس وزوجته ايمي.. في البداية تعرفت على لويس في أحد مجموعات العمل الصغيرة.. سألني المدرب عما أريد أن أحققه لنفسي من خلال التنويم المغناطيسي فاخبرته عن بعض أعراض الكيماوي التي اود أن أتخلص منها.. وكان لويس يستمع.. فسحب كرسيه إلى جانبي وسألني عن قصتي.. فأخبرته الحكاية باختصار وانا ابتسم.. فتأثر كثيرا.. وأشعرني باعجابه الكبير  بصبري وقوتي مع كبر المصاب..

ثم جاء وقت الغداء.. فجلست معه هو وزوجته وبعض الحضور الآخرين.. وعرفت أن أيمي قد فقدت بصرها تدريجيا خلال السنوات الأخيرة بسبب مرض وراثي.. وانها الآن لا ترى أبدا..ولكنها مع ذلك مستمرة في العناية بأولادها والعمل كمعالجة نفسية ومستمرة في تطوير نفسها وحضور الدورات والصراع مع الحياة مغمضة العينين.. تعلمت كيف تقوم بمسح كل الكتب والمواد العلمية ضوئيا على الكمبيوتر الخاص بها ليقوم بالقراءة لها.. تعلمت كيف تستخدم "سيري" في هاتفها الذكي لتعينها في كل أمور حياتها. وهي الان على قائمة الانتظار منذ أكثرمن عام للحصول على كلب مرشد  يعينها في التنقل .فالتحدي الأكبر دائما هو الذهاب لمكان جديد.. حيث لا تعرف الطرق ..فكان لويس يصاحبها خطوة بخطوة ولا يدعها أبدا..

وبعد الغداء.. أرادت ايمي الذهاب لدورة المياة.. ولما كانت مخصصة للنساء فقد طلب مني لويس مساعدتها.. وذهبت معها.. كم كانت أتفه الأمور التي نقوم بها بكل بساطة صعبة عليها.. أن تعرف بأي اتجاه يفتح الباب.. مكان المناديل.. طريقة استخدام عبوة الصابون طريقة فتح صنبور المياه.. كل التفاصيل الصغيرة التي نقوم بها بلا مبالاه..كانت بالنسبة لها تحديات كبيرة.. وخرجت معها وبينما نحن على وشك نزول الدرجات المؤدية لقاعة المحاضرات قالت ضاحكة.. "اعطني كتفك.. لا أحتاج إلا كتفا.. لأعرف طريقي"..

ملأ التأثر قلبي.. وأنا أتخيل حجم المصيبة التي وقعت عليها وعلى زوجها.. ورحت أتعجب من قوتهما..ومن صبرهما..ومن روحهما العالية التي جعلتهما يتعايشان مع هذه المصيبة معا..

ثم فكرت للحظة.. ترى لو قيل لي أن أقايض إيمي.. فآخذ فقدها لبصرها (الذي لا يهدد حياتها في نهاية الأمر.. ولا يعرضها للكيماوي ولا للإشعاع ولا لكل القلق والمخاوف).. وأعطيها سرطان الثدي.. هل كنت سأقبل..

ولم أتردد لثانية..وشعرت فجأة أن سرطان الثدي هو صديقي العزيز الذي أستقبله سعيدة راضية إذا قورن بفقد بصري واحتياجي لشخص يقودني ويسوقني في كل الأوقات..

وتخيلت لو عرضت هذه المقايضة على إيمي ولويس.. وتخيلت الاثنين وهما يصيحان معا.. السرطان.. لا لا.. فقد البصر أهون بكثير من هذا التهديد المستمر بالرحيل عن الحياة..

ورحت استعرض كل أصحاب الابتلاءات الذين أعرفهم.. كل الابتلاءات صغيرها وكبيرها.. من المرض النفسي.. للطلاق.. لمرض الأبناء..و حتى الخلافات الزوجية.. هل أحب أن أقايض أيا منهم بأن آخذ بلاءه وأعطيه مرضي..

شعرت عندها بحب شديد لله الذي هو أعلم بي من نفسي.. والذي اختار لي (ولكل منا) البلاء المناسب تماماوالذي اقوى على تحمله..ليجزيني به أجر الصابرين..  ولو كان بلائي مثلا  كبلاء بعض من أعرف.. زوج بغيض .. يذكرني بعيوبي ويحطم نفسيتي وثقتي بنفسي (رغم أنه يبدو من بعيد أهون بكثير من الاصابة بسرطان شرس وفي مرحلة متقدمة) لكان هذا البلاء أثقل على نفسي بكثير ولا أدري أكنت أستطيع الصبر والاستمرار في الانجاز والعطاء أم لا..


فسبحان من قسم الأرزاق.. وقسم الابتلاءات.. لعلمة بكل منا وبما يصلحه في الدنيا والآخرة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق