الجمعة، 17 يناير 2014

البادجر وأمهات اليوم

الحلقة  الرابعة والعشرون من رحلتي مع سرطان الثدي

أشاهد مع ابني فيلما وثائقيا عن حيوان أفريقي اسمه Honey Badger(يترجم للعربية بلفيف العسل!).

لقطة عجيبة.. الأم تحمل ابنها  الرضيع معها في كل مكان وهي تبحث عن صيد.. ولا تستطيع تركه في "البيت" لأنه ليس هناك بيت آمن في السفانا الأفريقية.. وخلال الرحلة .. يمرض الصغير و يكاد يموت.. واضح من أنفاسه المتباعدة وضعفه الشديد أنه لن يعيش طويلا.. لكنها تستمر في حمله معها في كل مكان لأنها تدرك أنها لو تركته فسيكون فريسة لمئات الحيوانات الجائعة التي تنتظر صغيرا مريضا كوجبة سهلة.. تبقى تحمله حتى تواجه ذكرا من نفس فصيلتها يحاول التهام ابنها.. فتدخل معه في معركة حامية تكاد تفقد فيها حياتها لأجل ابنها الميت لا محالة.. وينتصر الذكر القوي.. ويركض بعيدا بابنها ليأكله ويتركها متخمة بالجراح..

هي ليست غبية.. هي تعرف أنه ميت لا محالة..وحتى إن عاش فقريبا يكبر وينفصل عنها بل ويصبح منافسا لها في صيدها.. فلم  تخاطر بحياتها لأجله.؟؟...

 ***

في غرفة انتظار العلاج الاشعاعي  بالمستشفى أقرء في احدى المجلات قصة فتاة في الثانية والعشرين.. اصيبت بسرطان المبيض.. ونصحها الأطباء بعملية استئصال المبيضين مع الكيماوي .. رفضت ان تستأصل المبيضين..: لم ترد أن تخسر فرصتها في الإنجاب.. واستئصلت المبيض المصاب فحسب ثم بدأت رحلة العلاج الكماوي الشاقة.. حتى شفيت..

 ولكن بعد  خمس سنين.. وفي زيارة عادية للطبيب.. اكتشفت عودة السرطان لمبيضها المتبقي.. وهو الآن ورم ضخم بحجم 10 انشات.. ورم يهدد حياتها,, وينذر بعودة لنفس الطريق المؤلم طريق الجراحة والكيماوي و كوابيس الموت.. لكن كل ذلك لم يكن أكبر همها.. كان أكبر همها هو..هل يعقل أنني سأحرم تماما من أن يكون لي طفل.. وقررت أن تجازف.. قررت أن تؤجل العملية العاجلة لاستصال الورم حتى تجد طبيب إخصاب يستطيع أن يقوم بالمعمة الصعبة.. مهمة الحصول على عدد من بويضاتها لتجمدها في بنك البويضات إلى أجل غير مسمى.. رأى أطباء الأورام أن ما تقوم به جنون.. ومخاطرة بحياتها لغير سبب.. فجني البويضات للتجميد يستغرق وقتا ويعطل العلاج و يسمح للورم بالانتشار.. لكن شعور الأمومة عندها طغى على كل شيء.. "أريد أن أشعر أن السرطان لم يسلبني كل شيء..على الأقل أعرف الآن أن هناك في الثلاجة تنتظرني 10 بويضات لحين أنهي العلاج وأجد الشريك المناسب ليكون لي طفل من صلبي.."

أي عاطفة عجيبة هذه التي تجعل المرء يخاطر بحياته لاجل ابن لم يأت للحياة بعد.. بل لم يصبح حتى جنينا بعد..  لمجرد مشروع ابن كامن في خلية واحدة في مبيضها..

وأنظر حولي فأرى عجبا وأسمع عجبا.. أرى فكرا جديدا... غريبا على الانسانية.. وغريبا حتى على عالم الحيوان.." سأرمي بالاولاد لأبيهم.. فغدا يكبرون ويذهبون له وينسونني.. فلم أضيع شبابي معهم الآن؟!!"

"هؤلاء الاولاد لن ينفعوني غدا.. غدا يصبح كل همهم الأصحاب والخرجات ثم الزوجات.. وظيفتي هي ما سيبقى لي.. وهي وحدها الأمان..ونجاحي الوظيفي يأتي أولا"..

أعلم أن حياتنا اليوم قد تغيرت وصارت جد صعبة.. ولكنها لن تكون أصعب من حياة أنثى لفيف العسل التي قررت أن تضحي بنفسها للدفاع عن جرو سيموت بعد ساعات ولن ينفعها في أي حال..

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق