الثلاثاء، 14 يناير 2014

درس ثقيل في التوكل

الحلقة الحادية عشرة من رحلتي مع سرطان الثدي

 

 منذ بداية حملي وقبل أن أعلم بمرضي كان كل همي أن أكون "الأم المثالية"بقدر ما أستطيع..  حملت هم كل شيء.. كل التفاصيل..

كان همي الاكبر هو الرضاعة الطبيعية.. كيف لي أن أرضع المولود أطول فترة ممكنه وأنا لا يسمح لي بأجازة لأكثر من أسابيع معدودة أعود بعدها لعمل لا يرحم ومناوبات تبقيني بعيدة عنه أكثر من 24 وساعة.. كيف  يمكن أن أقي المولود الاحتكاك بعدد كبير من الأطفال في الحضانة مما يسبب العدوى والالتهابات خلال شهور حياته الأولى..

كيف يمكن أن أكون الأم الأكثر "صحية" خلال الحمل.. توقفت عن شرب الشاي والقهوة لأقيه أضرارها.. توقفت عن استخدام الميكرويف لتجنب خطر الإشعاع وتوقفت عن وضع الهاتف الجوال قربي وصرت أغلقه تماما معظك الوقت لأجنبه الموجات الكهرومغناطيسية..كنت انتقي طعامي انتقاء لأضمن له صحة أفضل..

كنت أظن أني "بيدي وبقوتي وتخطيطي" سأجلب للمولود تممام الصحة.. وأرهقت نفسي في التفكير في كل التفاصيل.. حتى ما بعد الولادة.. حملت الهم و كأني أنا من سيصنع الصحة ويهديها له..

ثم جاء الحدث الجديد وغير كل شيء.. أنا التي كنت أرفض شرب الشاي والقهوة حتى لا أؤثر على الجنين صار علي أن أمر بالتخدير والجراحة أثناء الحمل وأن أحقن بصبغة مشعة داخل الورم خلال الحمل والأسوء من ذلك أن آخذ العلاج الكيماوي الذس يبدو لنا كمارد مدمر لكل الخلايا التي تنمو تكبر.. أن آخذه خلال الحمل..

كان الخيار هو.. إما أن أثق في الله وأرفع يدي وأسلم وأقول يارب ليس لي من الأمر شيء.. أو أن أقتل الجنين بنفسي (كما نصح الأطباء) لتجنب احتمال تعرضه لأثر العلاج السيء..

فاخترت أن أثق في الله.. وأدركت لأول مرة.. أني مجرد "أمة".. لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا.. وأن الله وحده هو مانح الصحة.. وهو القادر أن يكمّل خلق جنين غذي بالكيماوي .. وأن ينقص خلق جنين كان من المفروض أن يولد سليما..

وصار علي أن أتعامل مع حقيقة جديدة.. أن كل التفاصيل التي كنت أخطط لها لترتيب الرضاعة الطبيعية لأطول فترة ممكنة باتت هباء.. فأحد مصدري الرزق قد استأصلته الجراجة.. (والحمد لله الذي أبقى لي الآخر).. لكني لن أتمكن من الارضاع أكثرمن أيام معدودة إن أراد الله لأني سأواصل الكيماوي بعد الولادة و لا يمكن الارضاع مع الكيماوي..

كان هذا  (ولا يزال) هما كبيرا بالنسبة لي.. فأنا أرى الرضاعة الطبيعية أبسط حقوق المولود تجاه أمه.. فسألت الله طامعة.. أن يهبني "حليمة السعدية",, أن بهبني مصدرا  ولو بدا ذلك مستحيلا في هذا الزمن.. وبعد اسابيع .. إذا باثنين من جاراتي .. احداهما حامل وستلد معي.. والاخرى ولدت للتو.. يعرضن علي التبرع بحليبهن لأجل مريم الصغيرة.. 

علمت أني كنت أحسب أني أمسك بزمام الأمور.. أني من يخطط ويدبر وينفذ.. فجاء الدرس.. أننا نحن البشر أضعف من ذلك بكثير.. وأن الله وحده هو الفاعل .. وهو وحده المدبر..


" ومن يتوكل على الله فهو حسبه.. إن الله بالغ أمره.. قد جعل الله لكل شيء قدرا"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق