الجمعة، 17 يناير 2014

من بطن الحوت


الحلقة الثانية والعشرون من رحلتي مع سرطان الثدي

في هذه الأيام أشعر بارتباط شديد بانبياء الله.. وأنا منعزلة بسبب المرض.. العملية.. الولادة.. العلاج.. أشعر أني مقيدة ولا اقدر على الانطلاق والانجاز..

أذكر سيدنا يونس.. وحبسه في بطن الحوت.. في ظلمات ثلاث حيث لا يراه أحد ولا يسمعه أحد.. ولا يعرف بوجوده أحد.. حيث لا أمل له بكل مقاييس البشر.. في داخل بطن الحوت المظلم والنتن.. ولو خرج بمعجزة فهو في ظلمة البحر وظلمة الليل.. حيث لا انسان ولا قارب نجاة.. في تلك الظلمة بقي.. ساعات وأيام .. ارتقى فيها سنوات ضوئية..وزاد عمق ايمانه وتعلقه بالله وحده بعمق البحر الذي هو غارق فيه..

لعله ذاق في تلك الساعات من الخلوة الاجبارية معنى الوحدانية.. معنى التعلق.. معنى العبودية الحقة..فلما استوى ايمانه وتم نضجه.. أطلقه الله من سجنه إلى الارض..وأنبت عليه شجرة من يقطين.. وارسلة لمائة ألف او يزيدون..

استوى ايمانه ونضج.. فاستطاع أن يوصل الرسالة حية نابضة نقية.. لم تعد الشهرة والمجد  و ضجيج الناس حوله يضره.. صار إيمانه أعمق من أن يهزه مدح بشر أو ذمه.. أطلق من بطن الحوت ليصير يمنا وبركة على مائة ألف نفس أو يزيدون..

أذكر يوسف عليه السلام.. الشاب الموهوب الوسيم.. ذو الحسب والنسب.. الذي آتاه الله حكما وعلما..ألقي في السجن وحيدا منسيا.. حتى صاحبا السجن غادراه وتركاه.. وحتى الذي نجى منهما نسيه وانشغل عنه..ولبث في السجن وحيدا.. بضع سنين.. بضع سنين من الخلوة والقرب.. بضع سنين ضرب فيها بجذور إيمانه في الأرض فراحت أعمق ما يكون.. وبين ليلة وضحاها.. أخرجه الله  من السجن والذلة للحرية والعزة.. وجعله على خزائن الأرض وجعل الناس من أقطارها يفدون اليه ابتغاء الرزق فيعطي من يشاء ويمنع من يشاء.. بعد صار إيمانه كشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها..

وإن نظرنا في حياة كل نبي لوجدنا لكل منهم محنة.. يصقل فيها إيمانه كما يصقل الذهب ليضيء للناس بعد ذلك.. لكل منهم خلوة إرادية كانت أم جبرية.. يصقل فيها علاقته بربه وتزداد جذور إيمانه في الارض عمقا حتى لا تهزه رياح التعامل مع البشر.. رياح كلامهم ومدحهم وذمهم ومقاييسهم وتشويشهم وضوضاءهم..

فاللهم ارزق كلا منا خلوة بك في سلامة وعافية تصفي بها بواطننا من الشوائب وتطلقنا بعدها لعطاء لا حدود له..

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق