الأربعاء، 15 يناير 2014

نحن وأبناؤنا

 الحلقة الخامسة عشر من رحلتي مع سرطان الثدي

منحني المرض فرصة رائعة ليكون لدي الوقت للتعرف على ابني ذي السنوات الثلاث..

 منحني الوقت لنجلس معا ونلعب ونتعلم ونحكي القصص ونقرأ الكتب.. منحني الفرصة لأتعرف على شخصيته.. مفاتيحها.. نقاط قوته وضعفه.. وأي نوع من الناس هو..


منحني متعة الأمومة التي حرمتني منها ساعات العمل الطويلة من قبل..

وبينما نتفاهم ونتحدث ونتضاحك ونخرج لاطعام البط والسناجب أذكر امهات أخريات.. حرمن انفسهن بارادتهن من هذه المتعة العظيمة.

أذكر المشهد في بلادنا حيث كنت أتعجب دوما في المولات أن أرى الأطفال يقضون وقت المتعة واللعب في مناطق الألعاب مع الخادمات..

سبحان الله.. ان كان الوالدان يستثقلان قضاء هذا الوقت الممتع مع اولادهما فلا شك ان المهام الاكثر صعوبة ورتابه كوقت الطعام والنوم والاستحمام ستكون من نصيب الخادمة من باب أولى..

ولا تدري هذه الأم المسكينة انها تفوت على نفسها مرحلة من عمر ابنها لن تعود.. فلكل عمرجماله ومتعته.. والأيام تمضي.. وسيكبر الأطفال ولن يعودوا أطفالا.. ولن يبقى للأم حين يكبر ابنها ويولي وجهه للخارج.. للمدرسة والمجتمع والأصدقاء.. لن يبقى لها سوى العلاقة القديمة والذكريات الحلوة التي كان من الممكن أن تعيد ابنها لحضنها وتجعلها مرفئ الأمان له مهما ابتعد..

فان كانت الخادمة هي التي تجهز الرضعة وتغير الحفاضة و تهدهده حتى ينام ثم تلاعبه وتغني له.. ثم تعلمه الكلام (بلغتها).. ثم تجهز له الطعام (على طريقتها وحسب معلوماتها في التغذية الصحية!)..ثم تأخذه وتعيده للحضانة ثم للمدرسة..فماذا بقي للأم من أمومتها وكيف لها أن تغرس في هذه النبتة الصغيرة أفكارها وقيمها وتجعل منه الولد الذي تريد وهي بالكاد تعرفه..

وماذا يكون حال الطفل وارتباطه العاطفي (بحكم ساعات التواصل الطويلة) هو مع الخادمة التي قد ترحل في أي وقت ولأي سبب.. وهو رغم تعلقه بها فهو تعلق خال من الاحترام فهو يرى أمه كيف تعاملها بفوقية فيتعلم منذ نعومة أظفاره أن يحب  بغير احترام وأن يحب ويذل من يحب.. وأن يرى العطاء ممن يحبه (الخادمة) واجب لا تشكر عليه بل تقدمه رغما عن أنفها فيمد قدمه لها لتربط حذائه ويصرخ في وجهها ان لم تفعل ثم يبكي حرقة إن غابت عنه أو رحلت (فلا عجب أن يتعامل مع زوجته غدا بنفس الطريقة المريضة)..

Childism: A Prejudice You Grew Up With

ويكون النتاج والخراج كما نتوقع من تربية الخادمات.. أطفال يفتقدون لمبادئ التربية.. لم يتعلموا المسؤولية ( فهو أعظم من أن يرتب ألعابه أو يلم أوساخه فهذه وظائف الخادمة) ولم يتعلموا العطاء (فالعلاقة بالخادمة تقوم على الأخذ دون مقابل).. ولم يتعلموا اللباقة و الكياسة لا حتى اللغة السوية (فهم يتعلمون ممن يجالسون).. ولم يتعلموا الحب ولا التعبير عنه ولا الاحساس بالأمان في علاقة مع شخص لا يتغير ولا يرحل بغير سبب  ولم يتعلموا أي مهارات تؤهلهم ليكونوا أفراد ناجحين في مجتمعاتهم..

سيكون على هؤلاء المساكين ان يتعلموا كل هذا بالطريقة الأصعب.. بالصواب والخطأ.. والتخبط في الحياة.. حتى تصقلهم التجارب أو تكسرهم..

والفضل يعود لأم وأب كان كل هدفهم من الانجاب أن يحصلوا على لقب "أم فلان" و "أبو فلان"..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق