الخميس، 9 يناير 2014

قنابل من الأخبار


 

الحلقة الثانية من رحلتي مع سرطان الثدي


 

بعد أن أخبرتني الطبيبة بأن التشخيص هو سرطان الثدي..والذي كنت بفضل الله قد عرفته قبل ساعة..فأفرغت دموعي واستجمعت شيئاً من قواي..بدأت تنهال علي بوابل من القنابل..

"حسناً" لدينا قرارات كثيرة يجب أن نتخذها بسرعة..

أولاً: الحمل.. إن كنت تريدين الاستمرار فيه أم إنهاءه..

الجراحة.. بالنسبة لسرعة انقسام الورم وحجمه..ستحتاجين لاستئصال الثدي كاملاً..لن استطيع استئصال الورم فحسب..

الكيماوي.. ليس كل النساء تحتاج للكيماوي بعد إزالة السرطان لكن بالنظر لعمرك الصغير..ولشراسة النوع الذي لديك.. يجب أن نعطيه الكيماوي كذلك.. وهنا تأتي مشكلة الحمل.. لا أعتقد أن بإمكاننا تأخيره حتى تضعي مولودك.. فبالتالي..يجب أن تأخذيه خلال الحمل.. أو.. أن تجهضي..ولو أجهضت ِ.. لا أعلم إمكانية أن تحملي ثانيةً بعد كل العلاج الكيماوي والإشعاع..

مع كل ما قالت.. رأيت زوجي انتفض عندما تحدثت عن احتمال عدم قدرتي على الحمل ثانية..لكنه تماسك..أما أنا فمع كل خبر من أخبارها كنت أشعر بوزن ثقيل يسقط على قلبي أكثر وأكثر وأكثر..وبداخلي ابتسامة ساخرة.."أبهذه السرعة..يحدث كل هذا.. بهذه السرعة..".. كنت أدرك أكثر فأكثر أن حياتي القديمة قد انتهت.. وأن هذه حياة جديدة و "نور جديدة".. غذاً يزال ثديها.. ويسقط شعرها مع العلاج..وربما تفقد جنينها..وربما..لاتحمل ثانية..وربما..لا تعيش طويلاً..

وكأن ما قالته لم يكن كافياً فأضافت.. "وبالنظر لعمرك الصغير علينا أن نفكر في إجراء فحص للجينات..فإن كان لديك الجين المسبب لسرطان الثدي فربما.. يجب أن نفكر في استئصال الثدي الثاني وربما المبايض كذلك.. من باب الاحتياط.. ( قبل أن تصاب بالورم)..".

ومع احترامي الشديد للطبيبة..فالمعلومة الأخيرة لم يكن لها أي داع في هذا التوقيت..فأنا الآن عندي ورم متوحش.. وقد تلقيت الخبر لتوي.. ولدي الكثير لأتعامل معه في اللحظة الراهنة..فليس هذا هو الوقت المناسب أبداً للحديث عن الخطر المحتمل الذي ربما يصيب الثدي الآخر أو المبايض خلال الخمس- العشر سنوات القادمة..فليس كل ما يعرف..يقال في التو..

كنت طوال حديثها متماسكة جداً..أسأل أسئلة كثيرة وأناقش الخيارات المتاحة.. فرأت طبيبة الجراحة أنه ليست لديها كل المعلومات لإجابة أسئلتي..فأخبرتني أنها ستدعو طبيب الأورام (المسؤول عن الكيماوي) ليعطيني إجابات أدق فهذا هو مجال تخصصه.. وخرجت لتناديه..وما أن أغلقت الباب..حتى انفجر سد كان يحبس شلالاً من الدموع.. وأنا أتمتم.." الحمد لله.. .." وقام زوجي ليحتضنني..وبقيت أبكي لدقائق..لم أفكر في شيء.. كان الأمر أكبر من أن أفكر فيه.. كنت فقط أحاول تفريغ شيء من الثقل في قلبي..وبعد لحظات.. نظرت إلى زوجي.. كان ثابتاً.. مبتسماً..  فقلت"أنت تحتاج أن تبكي كذلك..لا تكبت دموعك.. من حقك أن تبكي"..فابتسم وعيناه تغرغران.. "فإن بكينا نحن الاثنين..من سيسكتنا"..

ثم دق الباب.. فمسحت دموعي بسرعة..وقفز هو وعاد لكرسيه..وكأن شيئاً لم يكن..

ودخل طبيب الأورام..

دخل خافضاً رأسه محنياً ظهره مظهراً حزناً شديداً..

فكرت.. مسكين..هل يضطر لأخذ هذه السحنة الحزينة أمام كل مرضاه.. وابتسمت له..فكأنما شعر أنه ليس بحاجة للتظاهر بالحزن.. فابتسم..وقال بالعربية المكسرة"كيفك؟"

- الحمدلله..

- أجدادي كانوا من لبنان..لكني لا أعرف من العربية إلا كلمات..

بدأ طبيب الأورام يناقش كل الحلول وكل الاقتراحات ويطرح كل التساؤلات وكل المعلومات التي تنقصنا لاتخاذ القرار..وكنت أنا وكأنما أتحدث عن شخص آخر..أناقش الخيارات بكل عقلانية..وأطرح الأسئلة العلمية.. حتى أنهى حديثه وخرج..فأعطاني فسحةً أخرى للبكاء..

ودخلت الممرضة..

أعطتني كتاباً ضخماَ بعنوان "سرطان الثدي"..وأخبرتني أنه مرجع ممتاز لي..نظرت للكتاب وقرأت العنوان..وكأني أدرك لأول مرة..أن هذا العنوان..أصبح يخصني.. ويمثلني..

"لدينا مجموعات دعم لمرضى سرطان الثدي حيث يمكنك التعرف على مريضات أخريات..وكذلك لدينا أخصائية اجتماعية مختصة إن أردت التحدث ومشاركة إحساسك"..

كانت بادرة لطيفة منها.. لكنها لم تزد إلا أن أشعرتني أكثر فأكثر أن هويتي.. حياتي واحتياجاتي..تغيرت منذ اليوم..

قال صلى الله عليه وسلم: اغتنم خمسا قبل خمس.... صحتك قبل مرضك..

الحلقة القادمة عن الموضوع الأهم.. الحكمة من كل هذا..

هناك 3 تعليقات: