الخميس، 16 يناير 2014

القرار الأصعب


الحلقة السادسة عشرمن رحلتي مع سرطان الثدي

كان السؤال الذي سألنيه الجميع من يوم اكتشافي للمرض هو.. ماذا تنوين أن تفعلي بالحمل..

كانت جميع الاصوات من أطباء وأهل وأصدقاء (ماعدا طبيب الأورام) تدعوني للتخلص من الحمل والتفرغ لمحاربة السرطان بلا اعتبارات اخرى.. لأخفف العبئ عن جسدي الذي سيكون عليه تحمل الجراحة والعلاج الكيماوي خلال الحمل الذي هو أساسا "وهن على هن"..

كان المحبون خاصة يصرخون في بحرقة.. نحن لا يهمنا هذا الحمل.. لديك ولد سليم معافى.. ويمكنك أن تحملي في المستقبل.. كل ما يهمنا الآن هو حياتك أنت.. لا نريد أن نخسرك لأجل الجنين..

لماذا تواصلين الحمل وتصعبين الأمور على الأطباء.. وتقللين من خياراتك.. وتقللين من كفاءة العلاج.. لماذا "العناد والرأس اليابس!!"..

وكنت أقاوم بصلابة لاحساس قوي بداخلي أن علي المواصلة.. حتى جاء يوم المراجعة الأولى بعد العملية..وجاء طبيب الأورام بالاخبار.. أن الورم منتشر أكثر مما كانوا يتوقعون.. وأنه أكثر شراسة مما كانوا يظنون.. عندها قال لي لأول مرة منذ بدء العلاج.. ربما عليك التفكير ثانية في أمر الاستمرار بالحمل..

عندها شعرت بزلزلة حقيقية.. فهذا الذي كان يطمئنني أن الحمل لن يؤثر على العلاج تأثيرا ذا أهمية يتراجع الآن ويشعرأن الحمل يحد من فرصي في العلاج الكامل بكل الأدوية التي ينبغي أن نبدأ بها في أسرع وقت ممكن... ومع كل استشارة لطبيب كنت اسمع كلاما عن "ترك طفلين يتيمين" و "حرمان ولدي الموجود من أمه لأجل ولد لم يولد بعد" ..

وهلم جرا..

هنا حان الوقت لتفكير منطقي.. لماذا أنا متمسكة بهذا لحمل لهذا الحد مع أني لم أتمناه ولم أفرح به حين جاء ولماذا أشعر بقوة أن علي الاستمرار..بدأت تفكيري ببعض الأفكار الانانية.. فهذا الجنين وان كان يحملني عبئا جسديا  فهو دافع نفسي قوي يساعدني لأقاوم وأتغذى وأكون بنفسية جيدة (فانا لست وحدي في هذا الجسد).. وهو يعطيني ضوءا في نهاية النفق.. أني سأخرج من هذه التجربة بعد فقدي عضوا مني في الجراحة وفقد شعري وصحتي خلال الكيماوي.. سأخرج من كل هذا بطفل صغير شاركني العناء.. وشاركني الداء والدواء.. طفل أحسب أن الله سيكتبه بفضله من الصالحين ومن أوليائه المتقين إذ جاء في فترة قرب ووصل ودعاء وابتهال..

ثم.. كيف أفترض أن وجود الحمل وما يترتب عليه من تأخير لبعض الأدوية والعلاجات قد يؤثر على حياتي واستجابتي للمرض ثم أدعي التوكل وأني موقنة أن الله هو الطبيب وأن الدواء مجرد سبب..

أنقتل كائنا (وان لم تنفخ فيه روح بشرية مقدسة بعد..وان كان مجرد روح حيواني إلى هذا العمر وقبل ال120 يوما التي تحدث عنها الفقهاء كتاريخ لنفخ الروح.. لنعتبره هرة أو فأرا.. أنقتله وهو يحسب أنه في أمان في بطن أمه فنقتحم عليه خلوته ونكسر عظامه جزءا جزءا لتخرجه قطع صغيرة.. لنطيل حياة أمه..

وهل نملك نحن اطالة حياة الأم ولو ليوم واحد.. ولو أراد الله أن يستجيب الورم للدواء ويكون سببا في الشفاء فهل سيمنعه وجود الحمل..

ولو أراد الله ان لا يستجيب الورم للعلاج.. وأن تنتهي الحياة في يوم وساعة يعلمها هو.. هل نغير إرادته سبحانه بقتلنا لهذا الكائن الضعيف قليل الحيلة وان لم تنفخ فيه الروح الله بعد بحسب قول الفقهاء..

أليس كبدا رطبة.. أليس قلبا ينبض.. أليست له عينان وأذنان وفم يمص به اصبعه كأي طفل.. ولديه دماغ وأعصاب وان لم تكتمل بعد تجعله يشعر بالألم كأي حيوان صغير مسكين.. لهذا لا أستطيع أن أقرر أن أقتله..

ولهذا فإني أسأل الله ان كانت نهاية هذا الحمل خيرا لي وله أن ينهيها هو بلطفه ولا يحوجني لأن آخذ قرارا لا أقدر على اتخاذه..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق