الثلاثاء، 14 يناير 2014

أين الحكمة؟

الحلقة الثالثة من رحلتي مع سرطان الثدي

الآن.. يأتي الكلام.. عن الموضوع الأصعب.. والأهم.. الحكمة.. ترى أين الحكمة في كل هذا.. في أن تتبدل حياتي بهذه السرعة.. فلا تعود كالسابق أبداً.. ما الحكمة..

لم أحتج إلى وقت طيل لأدرك أول سبب..فقد كان بالنسبة لي أوضح من الشمس..كانت حياتي قبل المرض.. دوامة.. أسير فيها معصوبة العينين..كنت في السنة الأولى من الاختصاص في الطب النفسي..وكان ضغط العمل كبيراً..كان كل ما أعمله خلال أسابيع وأسابيع.. هو الذهاب للعمل والعودة منه لألبي بعض حاجات زوجي وابني.. ثم اسقط نائمة.. في خضم هذا الركض السريع.. نسيت من أنا..ماذا أريد.. ما الهدف من وراء هذا الركض..لماذا تركت أهلي ووطني وجئت لأتغرب أنا وزوجي وابني..ونحن لا نجد حتى بعض الوقت لنرى بعضنا.. وابني يتنقل بي الحضانة ( لـ 9 ساعات يومياً) إلى حاضنة الأطفال خلال الوقت الباقي حتى أعود من العمل..

كان كل شيء في حياتي سريعاً.. ولا طعم له..كانت الصلوات تؤدى خطفاً.. حتى أعود للعمل.. وكنت أرى زوجي خطفاً كل أسبوع أو أسبوعين.. بحسب ما تسمح المناوبات.. ولم أكن أرى ولدي إلا لنلبس ثياب النوم وننام..

وكان بداخلي شيء يصرخ.. ليست هذه الحياة التي أريدها.. أين المعنى.. أين الهدف.. أين العطاء.. أين العلاقات.. أين القراءة والتأمل والعبادة والكتابة.. أين ذهب كل ما كان يعطي لحياتي معنى.. وكنت أصبر نفسي أنها.. فترة محدودة.. لسنتين من الركض.. ثم يقل عبئ العمل.. ويكون لدي وقت أكثر.. ربما لأتذكر حينها من كنت وماذا كنت أريد أن أكون..

كنت أحتاج بعمق.. لوقفة.. أقف فيها مع الله.. وأخلو به.. وأتذكر.. لماذا كل هذا..أتذكر الهدف.. والنية وأعيد إصلاح الدفة..

كنت أحتاج لوقفة.. أقيم فيها وضعي الحالي.. وهل هو في الاتجاه الصحيح الذي كنت أريده.. هل أتعلم العلم الذي جئت لأجله أم أني أبذل كل هذا لاسم "شهادة البورد الأمريكي" بينما لم أتلق من العلم الذي كنت أحلم به إلا الشيء اليسير.. لأني مستهلكة في أعمال روتينية أخرى تخدم العمل ولا تخدم هدفي من العمل..

لم أكن لأمنح نفسي هذه الوقفة.. فقد كنت أرى الوقوف انهزاماً.. لم أكن لأعطي نفسي الفرصة لالتقاط أنفاسي وترميم داخلي.. فقد كنت أظن القوة هي أن أستمر في الركض مهما حدث..

فأراد الله أن يعطيني هذه الفرصة..وقد علم سبحانه أن الحدث يجب أن يكون جللاً.. حتى أقف.. وأعيد تقييم الأولويات بصدق وأنا أرى حياتي كلها.. مهددة بالزوال قريباً.. مالم تحدث معجزة من السماء.. حينما يكون الموت قريباً هكذا.. تتبدل الأولويات.. تصغر أمور.. وتكبر أمور..

تصغر الوظيفة.. والشهادة.. والسمعة.. و"البورد الأمريكي".. بعد أن كانت في حياتي.. كل شيء.. ويعاد النظر في الأولويات.. في "الغايات" و"الوسائل للغايات".. فأتذكر أن الشهادة والبورد الأمريكي.. لم تكن في البداية إلا وسيلة.. وسيلة للعطاء.. لنفع الناس وللقرب من الله.. فكيف ضاعت الغاية وبهتت حتى تلاشت أمام الوسيلة...

بالأمس.. جلست "أحدث الله" وحدي.. تحدثت طويلاً وبكيت كثيراً.. وشعرت بفيضٍ من الرحمة والحب يغمر قلبي.. فلم أملك ابتسامة واسعة تبللها الدموع.. سجدت عندها شاكرة وأنا أفكر.. لأجل هذا خلقت.. لأجل هذا القرب.. لأجل هذه السعادة..

الحلقة عن رحلتي مع الجراحة..و تحديات ما قبل الجراحة..

هناك تعليق واحد:

  1. الله يرحمك ويجعل مثواكي الجنة ...الله يجعل كتاباتك في ميزان حسناتك

    ردحذف